2024 - 11 - 21 الساعة :
» عرض الشرائح » “من أجل الوطن” كلمة الشيخ علي سلمان في الذكرى الثامنة لاعتقاله الظالم – ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢

“من أجل الوطن” كلمة الشيخ علي سلمان في الذكرى الثامنة لاعتقاله الظالم – ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل الأحبة في البحرين وخارجها الذين يسألون عني باستمرار، أطمئنكم بأني بألف خير وعافية، فأنا في حفظ الله وعنايته منذ وعيت، فما رأيت من ربي إلا جميلاً. وأسأل الله أن يُعينني على القيام بواجبي للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخدمة وطني وأهلي.

أتقدم بالشكر والعرفان إلى أسرتي وجميع أهلي على تضحياتهم و/صبرهم واحتسابهم وتحملهم لآلام الفراق وعلى مساندتهم لي طوال هذه السنوات مما يجعل العمر كله قاصرًا عن أداء حقهم عليّ.

أجدد الشكر لكم أيها الأحبة على تضامنكم معي طوال هذه السنوات الثمان، مع محافظتكم على التعبير السلمي والحضاري في هذا التضامن، وأجدد الطلب منكم كالمعتاد بالمحافظة على أنفسكم وعلى الممتلكات العامة والخاصة، فما يهمني هو سلامتكم وكف الأذى عنكم وتحقيق أحلامكم وطموحكم المشروعة في الحرية والكرامة في وطنكم، وأخص بالشكر الجزيل عوائل الشهداء الكرام، والمعتقلين والجرحى والمهاجرين وأسرهم الكريمة.

هذه نفثة صدرٍ مُحب أشارككم بها في هذه الذكرى:

(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)

الإصلاح الحقيقي حاجة لكل بلد في كل زمان، وهو حاجة بالأمس وحاجة اليوم وحاجة في الغد، ودون استمرار الإصلاح ستتجه الأوضاع إلى الأسوأ، صدق الله عندما قال: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) وقال في آية أخرى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

إن القيام بالإصلاح مسؤولية من هو في السلطة أولاً، وعلى من يكون خارج السلطة أن يطالب بهذا الإصلاح باستمرار عبر القنوات المختلفة والطرق المتعارفة والمشروعة في نظر العرف الإنساني العالمي. إن التوقف عن الإصلاح وعن المطالبة به خيانة لله والوطن والشعب، فغياب الإصلاح يعني انتشار وعشعشة الفساد في جسد الوطن، وفي ذلك خراب الأوطان لا محالة.

لقد عملنا على طول تاريخنا السياسي نحن والقوى الوطنية المختلفة على رفعة شأن الوطن، وإصلاح أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطن والقضاء على الفساد والمحسوبية، وناضلنا من أجل التوزيع العادل للثروة الوطنية، ومن أجل المساواة والعدالة بين أبناء الوطن، وتحقيق الكرامة والحرية بين المواطنين دون تمييز.

انطلقنا من وطنيتنا بعيداً عن أي جهات خارجية، وطرحنا مشاريع الإصلاح الوطنية للتجربة السياسية، وشاركنا في البرلمان رغم ملاحظاتنا على النواقص فيه، وتواصلنا بصورةٍصادقةٍ لحل كل مشاكل الشعب والوطن الطارئة، وعملنا بكل جهد لعدم انزلاق الساحة إلى العنف والتطرف في أشد الأوضاع حساسية، ونجحنا بتوفيق الله والمخلصين من أبناء الوطن في تجنب احترابٍ داخلي كانت كل الظروف تدفع نحوه. ودفعنا أثماناً كبيرة محلياً وإقليميًا ودولياً في سبيل هذا الاستقلال وهذه الموضوعية وهذه الوطنية والعقلانية، وهذا هو المنهج الوسطي المعتدل. فكان الجزاء الذي تلقيناه مع شديد الأسف حل جمعياتنا، وقتل كوادرنا وأنصارنا، وسجن ونفي قياداتنا، وفرض الخصام والعزلة السياسية علينا وعلى أعضائنا.

كانت أيدينا ولا زالت ممدودة إلى الحوار وهو الوسيلة الوحيدة لحل الاختلافات التي يؤدي إليها التواجد في البيت الواحد والوطن الواحد. إن غياب الحوار الجاد وغياب الإصلاح الحقيقي هو أحد الأسباب الأساسية في حدوث الأزمات الكبرى في البلدان، وبلادنا ليست استثناءً لهذه القاعدة المنطقية. لو عملنا بروح الفريق الواحد مع اختلافنا في وجهات النظر كحكومة وشعب وقوى وطنية معارضة ولبّينا تطلعات المواطنين السياسية والاقتصادية، ولبّينا تطلعاتهم إلى الحرية والكرامة والمشاركة الفاعلة في إدارة شؤونهم لما وصلت الأوضاع في تدهورها إلى ما يزيد على العشر سنوات.

لو كان العمل وفق رؤية وطنية صادقة بعيداً عن الحسابات الضيقة لما تردّت أوضاعنا وأوضاع بلادنا الحقوقية حتى صدرت فيها المئات من التقارير الحقوقية من هيئات ومقرري الأمم المتحدة، وكُبريات المنظمات الدولية المحايدة والمرموقة، ولما سجل بسيوني تقريره الشهير الذي تضمن أمورًا مؤسفةً ومحزنةً، من قبيل التعذيب حتى الموت، واعتقال النساء والأطباء وآلاف المواطنين، وهتك حرمات البيوت وسكانها، وهدم المساجد وإهانة الحسينيات، وفصل الموظفين والمحاكمات غير العادلة والمنع من حرية التعبير والتجمع السلمي واستعمال القوة المفرطة تجاه المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد وإصابة العديد منهم وغيرها من الانتهاكات

التي لسنا بصدد ذكرها جميعاً، ولما أصدرت البرلمانات والخارجيات بياناتها وقراراتها بحق البحرين.

لو تصالحنا في ما بيننا وعالجنا أوضاعنا الحقوقية والاقتصادية ووجهنا جهودنا ومواردنا المحدودة إلى التنمية، لما تضخم الدين العام ليصل إلى ما يزيد عن المئة بالمئة من الدخل المحلي، و لولا مساعدات أشقائنا في مجلس التعاون لعجزنا عن سداد الدين وفوائده. ولما احتجنا لفرض ضريبة تمس جيب المواطن بنسبة 10% من مشتريات المواطن، ولما احتجنا لايقاف 3% من الزيادة السنوية للمتقاعدين، ولما احتجنا إلى المزيد من اجراءات التقشف التي زادت في تراجع جودة الخدمات المقدمة له، ولربما تمكنّا من تقديم خدمة الإسكان للمواطن في خمس سنوات بدلًا من عشرين سنة، ولتوفرت سائر الخدمات المقدمة إلى المواطن في مجال التعليم والصحة وكل البنية التحتية ولتمكنّا من زيادة رواتب وأجور المواطنين في مقابل الزيادة الكبيرة في الأسعار التي اجتاحت وأضافت أثقالاً على ظهر المواطن الذي كان مثقلاً من العسر.

إن كل يوم يمر على الوطن وهو في صراع داخلي بعيداً عن التوافق الوطني هو يوم ضائع على الوطن وعلى أبنائه، وتفويتٌ لفرصة البناء والتنمية في خدمة الوطن والمواطن.

لا يتوهم أحدٌ أيها الأخوة والأخوات بأن قمع التطلع إلى الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان هو نصر، بل هو في الحقيقة إيذاء للنفس وخسران مبين لمن يقوم به. إنما النصر في العمل على التكاتف والتآزر، وبناء جسور الثقة والمودة بين أبناء الشعب جميعاً على قاعدة المواطنة الكاملة والمشاركة الكاملة في الحقوق والواجبات وإدارة الشأن العام وتوجيه الجهود والطاقات إلى البناء والتنمية.

هناك أسباب موضوعية وواقعية يعرفها المسؤولون ويعرفها الشعب والمراقبون المحايدون، وقد نبّهنا عليها منذ سنة 2001 بالحكمة والموعظة الحسنة وبالكلمة التي هي أحسن، تلك الأسباب الموضوعية أوصلتنا لأحداث 2011 وعندما تحرك الشعب الكريم، قال الكثير من المسؤولين بأن للمعتصمين في دوار اللؤلؤة “مطالب عادلة ومشروعة”،وقالوا “بأننا أخطأنا عندما تباطئنا في الإصلاح.”

لقد عملنا في الوفاق مع القوى الوطنية والشخصيات المخلصة لإيجاد الروافد لتحقيق هذه المطالب المشروعة، أو جزء منها على الأقل. ومن ضمن هذه المساعي وفي تلك الأوضاع الحساسة جاء وفد رفيع المستوى يمثل مجلس التعاون الخليجي، يضم وزير الخارجية السعودي الأسبق الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية القطري آنذاك الشيخ حمد بن جاسم الذي كانت بلاده ترأس الجامعة العربية في تلك الفترة. جاء هذا الوفد بالتنسيق مع أعلى جهة في السلطة واتصل بي وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بصفته ممثلاً لمجلس التعاون في مسعى خير لإيجاد حل لهذه الأزمة القائمة وجاء ذلك بناءً على طلب من الأمير سعود الفيصل، وكانت العلاقات يومها بين قطر والبحرين في أحسن حال.

وهنا سؤال لكل العقلاء والمنصفين في كل مكان: هل يجوز لي أن أرفض استقبال هذا الاتصال؟ وماذا لو رفضت ذلك؟! ، سيعتبر الجميع بأن هذا تعنتٌ ورفض للحوار، بل ورفض لمساعي مجلس التعاون، ورفضٌ للحل السلمي وللتفاهم والتوافق الذي يسعى له مجلس التعاون عبر وفده الرسمي رفيع المستوى، وسيقال في هذا الرفض ما قال مالكٌ في الخمر وأكثر.

فأجبت على الاتصال بغرض إيجاد حل لهذا الوطن يخرجه من أزمته في أسرع وقت، وبعد سبع سنوات من هذه المكالمة، أراني الدهر والقضاء عجبًا عُجابًا لا ينقضي، فكيف تحول استقبال مكالمة تلفونية مكشوفة وعلنية لوفد رفيع المستوى من مجلس التعاون يُعنى بحل الأزمة آنذاك جريمة تخابر؟! (جريمة التخابر مع دولة أجنبية؟!) حكمها في المرحلة الاولى كان البراءة وعدم المنطقية، ثم حكمها في الاستئناف، فكان عجباً عُجاباً. السجن المؤبد؟! السجن المؤبد لمكالمة مع ممثل مجلس التعاون.

اللهم اجعلني ممن قلتَ فيهم (ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .

في الختام أوجه ندائي لكل ابناء الوطن: تعالوا إلى كلمة سواء، أن نعمل لهذا الشعب، بروح وطنية بعيداً عن أي تدخل خارجي وأي حسابات شخصية، نتحاور فيما اختلفنا فيه، نتوافق على إصلاح يعالج المشاكل الحقوقية والسياسية ويتوافق عليه، ويعطي للشعب مشاركة حقيقية وفاعلة في إدارة شؤونه العامة.

علي سلمان
سجن جو
٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢

  • ×